القائمة الرئيسية

الصفحات

 

الظل الذي لا يختفي

في أحد الزمان، كانت هناك بلدة صغيرة تُدعى "الأنوار الباهتة"، تقع على أطراف الغابة المظلمة. كانت البلدة هادئة ومسالمة، ولكنها كانت تعيش تحت تهديد دائم من الأسطورة التي تحيط بها. كان يُقال أن هناك كائنًا مظلمًا يعيش في الغابة المجاورة، لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، لكنه يراقب من بعيد ويلاحق من يدخل أراضيه. كانت الأوقات التي تزداد فيها السحب والضباب هي الأوقات التي تتزايد فيها الهمسات والهمسات الخافتة في البلدة، وتُحكى قصص عن أشخاص اختفوا هناك في الغابة، ولا يعودون أبدًا.

عاشت في هذه البلدة عائلة صغيرة مؤلفة من الأم، الأب، وابنهما "فهد" الذي كان في السادسة عشر من عمره. وكان فهد شابًا مغامرًا، فضولياً، لا يصدق الأساطير التي كان يسمعها من الآخرين. في أحد الأيام، سمع فهد أحد أصدقائه يتحدث عن الظل الذي يطارد الناس في الغابة، وقرر أن يذهب ليكتشف حقيقة الأمر بنفسه. كانت فكرته هي أنه لا يمكن أن يكون هناك شيء غير طبيعي في الغابة، وما يقال ما هو إلا خرافات ترويها الأجيال القديمة.

في مساء أحد الأيام، قرر فهد أن يذهب إلى الغابة وحيدًا. بينما كان يسير عبر الغابة الكثيفة، بدأ يشعر بشيء غريب في الهواء، شعور غامر وكأن هناك عينًا تراقب كل حركة يقوم بها. مع مرور الوقت، بدأت الأشجار تُصبح أكثر كثافة، وأصبحت الأرض موحلة ومغطاة بالضباب. وعندما نظر إلى السماء، وجد أنها قد تحولت إلى اللون الأحمر القاتم، وكأن الليل قد أتى بشكل مفاجئ. تزايدت الرياح فجأة، لكن فهد كان مصرًا على المضي قدمًا.

بينما كان يتوغل أعمق في الغابة، بدأ يسمع خطوات خفيفة خلفه، وكأن أحدهم يتبعه. كان يلتفت بين الحين والآخر، لكنه لا يرى شيئًا. "إنها الرياح فقط"، قال في نفسه، ولكنه شعر بشيء غريب جدًا يزداد قربًا منه. ثم توقف فجأة، كما لو أن شيئًا ما قد استقر في المكان. في تلك اللحظة، سمع همسات خافتة، وكأنها تتسلل إلى عقله.

"اذهب... بعيدًا عن هنا"، همست الأصوات. "إنه يراقبك."

ولكن فهد لم يستمع لتلك الأصوات، وقرر أن يستمر في استكشاف الغابة، معتقدًا أنه لا يوجد شيء يمكن أن يوقفه. لكنه أخطأ في تقديره.

مع حلول الظلام، بدأت الأشجار تتشكل في أشكال غريبة، وكأنها تنحني وتتجه نحوه. وفجأة، شعر بشيء ثقيل يمر بالقرب منه. كان الظلام يزداد كثافة، وأصبحت الهمسات أكثر وضوحًا.

عندما نظر إلى الأرض، وجد نفسه واقفًا أمام فتحة غريبة في الأرض، كما لو أن شيئًا عميقًا تحتها. شعر وكأن هناك دعوة خفية للانحدار إلى الأسفل. كانت فتحة مظلمة، كأنها تبتلع كل شيء.

ثم، ظهرت أمامه صورة غريبة، صورة كائن مغطى بالظلال، عيونه متوهجة بألوان حمراء غير طبيعية، كأنها فوهات نيران مستعرة. كان الكائن يتحرك ببطء نحوه، وحينما اقترب منه، همس في أذنه همسات غير مفهومة، ولكن فهد شعر بها كما لو كانت تشق عقله.

"لقد جئت إلى أرضي... وأنت لا تستطيع الهروب."

حاول فهد الركض بعيدًا، ولكن الأرض كانت ثقيلة جدًا تحت قدميه. كان الظل يلاحقه في كل مكان. وفجأة، شعرت قدماه وكأنهما تغرقان في الأرض نفسها. نظر إلى السماء، فوجد نفسه محاطًا بالظلام الكامل، وكأن الغابة قد ابتلعته. وكانت همسات الظل تتردد في أذنه بشكل متسارع، وأصبح فهد يراها تقترب منه شيئًا فشيئًا.

وفي اللحظة التي كانت فيها الأرض تبتلعه بالكامل، شعر بشيء غريب يلتف حول قلبه، وكأن روحه قد سُحبت إلى مكانٍ بعيد.

استفاق فهد، ليجد نفسه في مكان مظلم تمامًا. لم يكن هناك ضوء ولا صوت سوى همسات متسارعة. بدا المكان وكأن الزمن قد توقف فيه. حاول أن يصرخ، لكن صوته لم يسمع. بدأ يدرك أنه في مكان آخر، مكان لا يمكن الهروب منه.

"لقد اخترتك"، همس الظل. "والآن أنت جزء مني."

بدأ فهد يشعر بظلامٍ عميق يلتهمه. وكان عقله يمتلئ بصور غير واضحة لذكريات وكائنات غريبة. أصبح يعلم أنه لا يستطيع الهروب. فقد أصبح هو نفسه جزءًا من الغابة، جزءًا من الظلال التي تطارد كل من يجرؤ على دخول أراضيها.

في النهاية، خرج الظل من الغابة، لينتقل إلى مكان آخر. وكل من اقترب من تلك الغابة بعد ذلك، سمع همسات فهد وهو يحذرهم، "اذهبوا بعيدًا عن هنا. إنه يراقبكم."

لكن لم يكن أحد قد عاد ليشهد من هو هذا الكائن، أو ماذا يحدث هناك في الظلام.

تعليقات