أصوات تحت الأرض
في إحدى القرى النائية، التي تقع بين التلال والجبال المظلمة، كان هناك منزل قديم معروف بين أهل القرية بأنه ملعون. كان هذا المنزل يقع في أطراف القرية، بعيدًا عن أي نوع من الحياة. كان قديمًا جدًا، حتى أن جدرانه كانت مغطاة بالأعشاب البرية، والنوافذ مكسورة، والأبواب مهدمّة. ولكن أكثر ما كان يثير الرعب حول هذا المنزل هو الأسطورة التي تحيط به.
كانت تقول الأسطورة إن المنزل كان في يوم من الأيام ملكًا لعائلة نبيلة، وقد عاش فيه أفراد العائلة لسنوات عديدة، ولكن في يومٍ ما اختفى جميع أفراد العائلة بطريقة غامضة. لم يتم العثور على أي أثر لهم. ومع مرور الزمن، أصبح هذا المنزل مهجورًا، ولكن منذ اختفاء العائلة بدأت أصوات غريبة تُسمع من تحت الأرض.
كلما اقترب أحد سكان القرية من المنزل ليلاً، كان يسمع أصواتًا غريبة تأتي من أعماق الأرض، أصوات أشبه بالصراخ أو التنهدات الخافتة، وأحيانًا همسات يعتقد الجميع أنها أصوات الأرواح المعلقة. وكلما اقتربت من المنزل أكثر، زاد صوت هذه الهمسات، وكأن الأرض نفسها تخفي سرًا مظلمًا.
ذات يوم، قرر شاب يدعى "حسن" أن يكتشف ما يجري في هذا المنزل المهدم. كان حسن مغامرًا، وقد سمع العديد من القصص عن هذا المكان، وكان يريد أن يكتشف الحقيقة بنفسه. تحمس لفكرة الخوض في مغامرة كبرى، رغم تحذيرات أصدقائه وأفراد عائلته. الجميع كان يخبره أن المنزل ملعون، وأنه لا ينبغي لأحد أن يقترب منه، لكن حسن لم يصدق تلك القصص، فقرر في يوم من الأيام أن يذهب بمفرده.
وصل حسن إلى المنزل عند غروب الشمس. كانت السماء ملبدة بالغيوم، والريح تعصف بالأشجار المحيطة. أخذ حسن نفسًا عميقًا، ثم دخل المنزل بحذر. كان الظلام يسود المكان، وأصوات الرياح تُسمع في الخارج، لكن بمجرد أن دخل، بدأ يسمع همسات خفيفة وكأنها قادمة من أعماق الأرض. أصوات غير مفهومة، تتزايد شيئًا فشيئًا.
بينما كان حسن يتجول في أرجاء المنزل، كانت الأرض تتصدع تحت قدميه بشكل غريب. شعر وكأن هناك شيئًا ثقيلًا يضغط عليه من الأسفل، كما لو أن شيئًا ما يحاول الخروج من الأرض نفسها. اقترب من إحدى الزوايا التي كانت تحتوي على ممر ضيق يؤدي إلى الطابق السفلي. وكانت تلك الأصوات تزداد وضوحًا، وكأنها نداءات غير مرئية.
قرر حسن أن ينزل إلى الطابق السفلي، رغم أن قلبه كان ينبض بسرعة. كانت الدرجات خشبية ومهدمّة، وصدور أصوات غريبة تحت قدميه. عندما وصل إلى الأسفل، كانت الأنوار ضعيفة جدًا، مما جعل الظلال تتحرك بشكل غريب على الجدران. وتحت الأرض كان هناك شيء آخر، شيء ينبض بالحياة.
ثم فجأة، سمع صوتًا مدويًا من أعماق الأرض، أصوات أشبه بصراخ مكتوم، يختلط بها صوت الأنفاس الثقيلة. شعر حسن بأن قلبه سيتوقف من شدة الرعب، لكنه قرر أن يتابع. بدأ يركض عبر الممرات الضيقة، التي كانت مغطاة بالعفن. وكانت الجدران مليئة بالرماد والعلامات الغريبة، وكأنها تحكي قصة محزنة.
وبينما كان يركض، بدأ يسمع خطى وراءه. نظر للخلف، لكنه لم يرَ أحدًا. ومع ذلك، كانت الخطوات تزداد، حتى أصبحت متقاربة جدًا، وكأن شخصًا ما يطارده. في تلك اللحظة، شعر بشيء ثقيل يمسك قدميه، وحاول أن يحرر نفسه، لكنه لم يستطع. وعندما نظر للأسفل، وجد نفسه عالقًا في الأرض.
في لحظة مرعبة، بدأ الممر يتسع تدريجيًا، وأصبح حسن في غرفة مظلمة تمامًا، مليئة بالأصوات المبحوحة والمخيفة. كانت الأرض من حوله تهتز، والهمسات تتسارع في أذنه، وكأن الأرواح التي كانت تحت الأرض قد استفاقت أخيرًا.
ثم، ظهر أمامه في الظلام شكلٌ ضبابي. كان غريبًا، نصفه بشري ونصفه الآخر غير معروف. كان يتحدث بلغة غريبة، وعبارات غير مفهومة. كانت عيناه مليئتين بالحزن، وكأنها تتوسل إليه لكي يساعدها. وقال ذلك الكائن: "لقد عدت إلى هنا... إلى المكان الذي بدأ فيه كل شيء."
تراجع حسن إلى الوراء، لكنه شعر بشيء يجذبه نحو الكائن الضبابي. كان هذا الكائن يحمل عبئًا ثقيلًا، عبئًا من الماضي، ماضي هذه الأرض. وقبل أن يتمكن حسن من الهروب، شعر بشيء بارد يمسك قلبه، وتوالت في ذهنه رؤى قديمة عن العائلة التي اختفت في هذا المنزل. رأى آخر لحظاتهم، حيث كانت الأرض تبتلعهم، بينما كانوا يصرخون طلبًا للمساعدة، لكن لم يكن هناك أحد.
وبينما كان يركض للخروج، بدأ الممرات تتضخم وتلتف حوله. لم يعد بإمكانه التمييز بين الحقيقة والوهم. كان كل شيء يتحرك حوله، والأصوات تزداد شراسة، وكأن المكان بأكمله يحاول الإمساك به.
أخيرًا، خرج حسن من المنزل بفضل قوة خارقة لم يفهمها، لكنه كان يعي تمامًا أنه لم يعد الشخص نفسه الذي دخل. وعندما عاد إلى القرية، كان كل شيء قد تغير. عينيه كانتا فارغتين، وأذنه كانت تلتقط أصواتًا غير مرئية من أعماق الأرض. أصبح حسن جزءًا من تلك الأرض الملعونة، وأصبح يسمع الأصوات التي كانت تدعو الجميع للعودة، ولكن هذه المرة، كان الصوت يصدر من فمه.
وكانت الأصوات تقول: "لقد جاء دورك الآن."
تعليقات
إرسال تعليق