القائمة الرئيسية

الصفحات

 

المنزل الذي لا يُنسى


في إحدى الزمان البعيد، كان هناك منزل يقع على تلة نائية، محاط بغابة كثيفة يقال إنها ملونة بلون الدم في ساعات الغروب. كان هذا المنزل قديمًا جدًا، مهدمًا في الكثير من الأماكن، لكن ظل يعبق برائحة عتيقة تحمل معها الغموض والرهبة. كان الجميع في القرية المجاورة يتجنبون الاقتراب منه، فهناك الكثير من القصص التي تروي عن أشياء غير طبيعية تحدث فيه. كانوا يقولون إن هذا المنزل مسكون، وأن من يقترب منه يُلعن إلى الأبد.

ومع مرور الوقت، أصبحت الأساطير المحيطة بالمنزل جزءًا من التاريخ المحلي. كان يسمع الجميع همسات من بعيد عن ظهور ظلال غريبة، وصرخات تُسمع في الليل، وأشخاص اختفوا بعد دخولهم إلى المنزل دون أن يعودوا. هذه القصص كانت تكفي لردع أي شخص عن التفكير في زيارة ذلك المكان، لكن هناك شخصًا واحدًا قرر أن يواجه كل هذه الأساطير.

كان "طارق" شابًا مغامرًا، معروفًا بشجاعته وحبه للاستكشاف. وكان يحب أن يكشف الأسرار التي يعتقد الناس أنها غير قابلة للكشف. في أحد الأيام، قرر أن يذهب إلى ذلك المنزل ويكتشف الحقيقة بنفسه. كانت فكرة زيارة المنزل المخيف بمثابة التحدي الذي لا يمكنه مقاومته. أخبر طارق أصدقاءه بنيته في الذهاب إلى المنزل المهدم، فتراوحت ردودهم بين محذرة ومنزعجة، لكن طارق كان قد اتخذ قراره.

في اليوم التالي، بدأ طارق رحلته نحو المنزل. كان الطريق إلى هناك طويلًا ومخيفًا، كما لو أن الغابة بأكملها كانت تحاول إبعاده. لكنه استمر في السير بخطوات ثابتة، متجاهلًا كل الأصوات والهمسات التي كانت تحيط به. عندما وصل أخيرًا إلى المنزل، شعر بشيء غير مريح في معدته، وكأن المكان نفسه ينظر إليه.

كان الباب الرئيسي للمنزل مفتوحًا جزئيًا، وكأن شخصًا ما في الداخل قد دعاه لدخوله. دفعت الرياح الباردة الباب، ودخل طارق دون تردد. كانت الغرف مظلمة ومهدمّة، والأثاث القديم المتناثر في كل مكان يذكره بذكريات غامضة من الزمن البعيد. لكن ما أثار قلقه أكثر كان الهواء الثقيل في الداخل، وكأن المكان مليء بشيء غير مرئي.

بينما كان يستعرض الغرف، شعر بشيء غريب يلاحقه. كانت ظلال متحركة تمر من خلال الجدران، وأصوات غامضة تهمس باسمه. شعر أن هناك شيءًا ما في المنزل لا يرغب في أن يراه. قرر أن يواصل استكشافه رغم كل هذا، حتى وصل إلى الطابق العلوي.

كانت الغرفة في الطابق العلوي أكثر غرابة. كانت مغطاة بمرايا ضخمة قديمة، متراصة على الجدران في نمط متشابك. نظر طارق إلى المرآة الأولى، وبدأ يشاهد انعكاسه، لكنه لاحظ شيئًا غريبًا. كان هناك شخص خلفه في المرآة، شخص لا يمكنه رؤيته في الواقع. بدت ملامح ذلك الشخص ضبابية، ولكن كان من الواضح أنه يبتسم.

أصاب طارق الرعب، ولكنه حاول أن يبقى هادئًا. استدار بسرعة، ولكن لم يكن هناك أحد خلفه. عاد ليبصر المرآة مرة أخرى، وفي هذه المرة، كان الشخص في المرآة يقترب منه أكثر فأكثر، وكان الابتسامة على وجهه تتحول إلى شيء أكثر شرًا.

ثم بدأت الأرض تحت قدميه تهتز بشكل مفاجئ، وسمع صرخات مدوية تتردد في أذنه. كانت الأضواء تومض بسرعة، والهواء أصبح ثقيلًا جدًا حتى أنه كان يكاد يختنق. في تلك اللحظة، شعر بشيء ثقيل يجذب قلبه إلى الأسفل، وكأن روحًا غير مرئية كانت تحاول أن تبتلعه.

ركض طارق نحو الباب، ولكن عندما وصل إليه، أغلق الباب بقوة خلفه. كان العتمة تزداد كثافة، والهمسات تتصاعد، وكأن المنزل كله أصبح حيا يلاحقه. في تلك اللحظة، شعر بشيء يلمس ذراعه، كان باردًا جدًا، كأن يدًا من الجليد قد لامسته.

أغمض طارق عينيه، لكنه عندما فتحهما، وجد نفسه في مكان مختلف تمامًا. كان يقف في نفس المكان في المنزل، ولكن الغرفة أصبحت مظلمة تماما، ولم يكن هناك أي شيء سوى الأصداء المتلاشية لأصوات غير مرئية. كان يشعر بأن شيئا ما يراقبه.

وفي اللحظة التي قرر فيها الهروب، بدأ يسمع صوت خطوات خلفه، خطوات ثقيلة وكأن شخصًا ما يقترب منه. حاول أن يركض، لكنه شعر بأن جسده قد أصبح ثقيلًا، وكأن الأرض نفسها كانت تمسكه.

قبل أن يغادر المنزل، نظر طارق أخيرًا إلى المرآة الأكبر في الغرفة، ليكتشف أنه لم يكن يواجه نفسه أبدًا. بل كان يرى صورة شخص آخر تمامًا. كان ذلك الشخص هو نفسه، لكن بعيون فارغة ووجه شاحب وكأن الروح قد فُقدت منه.

وفي اللحظة التي بدأ فيها الزمان والمكان يلتويان، شعر طارق بشيء غريب يندفع نحو قلبه. قبل أن يدرك ما يحدث، أصبح هو نفسه جزءًا من هذا المنزل الذي لا يُنسى.

تعليقات