القائمة الرئيسية

الصفحات

 

أسرار غرفة الطابق العلوي


في إحدى المدن البعيدة، كان هناك منزل قديم يقع في حي مهجور بعيدًا عن بقية المنازل. كان يُسمى "منزل هاريس"، وهو منزل قديم ذو طابع غريب، بني في أواخر القرن التاسع عشر. كان يملك هذا المنزل رجل مسن يدعى "توماس هاريس"، عُرف بكونه غريب الأطوار وفضوليا بشكل مفرط. كان الناس يتحدثون عنه في المدينة، ويشاع أنه كان يختفي لفترات طويلة، وتقاليد المدينة القديمة تقول إن هناك سرًا مظلمًا يتعلق بالمنزل، لكن لا أحد يعرفه تمامًا.

مرت سنوات، وتوفي توماس هاريس عن عمر يناهز الثمانين عامًا، تاركًا المنزل مهجورًا لعقود من الزمن. لكن رغم ذلك، كان هناك دائمًا من يتحدث عن شيء غريب يحدث في الطابق العلوي من المنزل، حيث كانت النوافذ مغلقة طوال الوقت، ولا أحد يجرؤ على الاقتراب من هناك. وكان من المثير للاهتمام أن أهل المدينة كانوا يتجنبون الحديث عن الطابق العلوي بشكل خاص.

في أحد الأيام، قرر شاب يُدعى "أدريان"، الذي كان حديث العهد في المدينة، أن يتخذ من هذا المنزل موضوعًا لمقال صحفي حول أساطير الأماكن المهجورة في المنطقة. كان أدريان معروفًا بشجاعته وحبه لاستكشاف الأماكن المخيفة، وكانت هذه الفرصة بالنسبة له مثالية للكتابة عن موضوع مثير.

ذهب أدريان إلى المنزل في مساءٍ غائم. وقف أمام البوابة الحديدية الكبيرة، التي كانت صدئة ومهملة، وكان باب المنزل الأمامي مغلقًا بإحكام، كما لو أنه يحاول إخفاء شيء داخله. اقترب بحذر وفتح الباب بصوتٍ مرتفع، الذي صدى في أرجاء المكان وكأن المنزل كان يتنفس.

دخل إلى المنزل، وكان كل شيء مغطى بالغبار، والأثاث قديم جدًا. كانت الحوائط مليئة بالبقع والألوان الباهتة. شعر بشيء غير مريح في المكان، ولكنه قرر أن يواصل استكشافه. في الطابق الأول، كانت هناك صالونات فارغة ورفوف مكسورة، لكن ما لفت انتباهه هو السقف المكسور في إحدى الغرف التي تُظهر خيوطًا من الضوء تسقط من الطابق العلوي. شعر بشيء ثقيل في صدره، لكن الفضول دفعه للصعود.

وصل أدريان إلى الطابق العلوي، وعندما فتح الباب، فوجئ بشيء غريب للغاية. كانت الغرفة مغلقة بإحكام لسنوات، وكان يعتقد أنه سيجدها مليئة بالخراب والدمار، ولكن ما رآه كان شيئًا مختلفًا. الغرفة كانت مرتبة بشكل غير طبيعي، والأثاث في حالة شبه جديدة، وكانت الألوان دافئة ومريحة. ولكن، ما لفت نظره أكثر هو وجود مرآة ضخمة على الجدار المواجه له.

اقترب من المرآة، وشاهد انعكاسه وهو يقف هناك أمامها. لكن شيء غير طبيعي حدث في تلك اللحظة. بدأ انعكاسه في المرآة يتصرف بشكل غريب. فجأة، ظهر شخص آخر خلفه في المرآة، كان شخصًا يرتدي ملابس قديمة جدًا ويحمل في يده ساعة جيب قديمة. شعر أدريان بالرعب، وركض للخلف، لكن مرآته كانت تتابع حركاته، وكأنها ليست مجرد انعكاس.

ثم سمعت أدريان همسات خافتة من خلفه، وعندما استدار، لم يجد أحدًا. لكنه شعر بشيء بارد على ظهره. بدأت الغرفة تتغير من حوله. أصبحت الجدران تتقوس، والضوء يختفي شيئًا فشيئًا. بدأ يشعر بأن المكان يغلق عليه، وكأن المكان يلتهمه رويدًا رويدًا.

ثم، فجأة، خرج صوت عالي من المرآة نفسها: "لقد عدت أخيرًا." كانت الكلمات تأتي من داخل المكان، وكأن المرآة نفسها تتحدث. شعر أدريان بيد خفيفة تلمس يده، وكان صوتًا آخر يهمس في أذنه، يقول له: "لا تفتح الباب."

وبينما كان يحاول الهروب، لاحظ أن الباب لم يعد هناك. كانت الغرفة تتوسع وتتمدد، والظلال حوله كانت تتراقص في زوايا المكان، تزداد كثافة. كانت الأصوات تتكاثف بشكل متسارع، وفجأة، بدأ يشعر بشيء ثقيل جدًا يسحب جسده نحو الأرض، وكأن مكانًا مظلمًا يتسع في أسفل الغرفة.

وفي اللحظة التي حاول فيها الصراخ، شعر بشيء يدفعه للأمام نحو المرآة. وعندما اقترب منها، اكتشف ما هو أسوأ شيء قد يواجهه. كان يرى نفسه داخل المرآة، ولكن بشكل مختلف تمامًا. كان انعكاسه يتحرك، ويبتسم له، والعينان اللتان يراهما كانت فارغة، كأن الروح قد اختفت منه.

كان أدريان يشعر أن الجدران تغلق عليه، والهمسات تتزايد، وعيناه كانتا تتسعان بينما كان يلتهمه الظلام. سمع الصوت نفسه مرة أخرى: "لقد عدت أخيرًا، ولن تخرج أبدًا."

في اليوم التالي، لم يُعثر على أدريان. كان كل ما تبقى منه هو مقالة عن منزله، مكتوبة بطريقة غير مفهومة، كما لو أن عقله قد اختفى تمامًا في المكان الذي دخل فيه. بينما كانت المرآة في الغرفة العلوية، تلمع في الضوء الخافت، تنتظر الزائر التالي الذي سيكتشف أسرارها المظلمة.

تعليقات