البيت الذي لا يُغادره ساكنوه
في قلب المدينة القديمة، حيث الأزقة الضيقة والمباني المهدمّة، كان هناك منزل قديم يبرز من بين الجميع. كان يُسمى "منزل فينيل"، وكان معروفًا بسمعة سيئة. لا أحد من السكان كان يجرؤ على الاقتراب منه، فحتى في أيام الربيع المشمسة، كان الغبار يملأ المكان، والنوافذ مغطاة بالستائر الثقيلة. كانت الأجيال القديمة تُحذّر الأبناء من الاقتراب، لأن هذا المنزل كان يحمل سرًا مظلمًا، سرًا لا يعرفه أحد سوى أولئك الذين عاشوا فيه.
على الرغم من أن معظم الناس كانوا يتهامسون عن المنزل المهجور، كانت هناك أسطورة عائلية تتعلق بالمنزل: "من يدخل هذا البيت لن يخرج أبدًا". يقال إن ساكني المنزل قد اختفوا بشكل غامض في فترات مختلفة من التاريخ، ولم يُكتشف أبدًا ما حدث لهم. كانت هناك قصص كثيرة عن أصوات غريبة تُسمع في الليل، وحركات غير مفهومة خلف الجدران، لكن لم يجرؤ أحد على التحقيق.
وفي أحد الأيام، وصل إلى المدينة شاب يُدعى "ريان"، كان من عشاق القصص الغامضة والمثيرة. كان قد سمع عن منزل فينيل، وكان قد قرر أن يكون هو الشخص الذي سيكشف سر هذا المكان الملعون. قرر ريان أن يقضي ليلة في هذا المنزل ليعرف ما يحدث داخله.
عند غروب الشمس، دخل ريان إلى منزل فينيل. كان الباب الأمامي قديمًا جدًا، مليئًا بالصدأ، وفتح بصوت مريع. كانت الأرضية خشبية ومهملة، وكل خطوة كان يصدر منها صوت يصدح في أرجاء المكان، كأنها تهمس. كانت الرياح تعصف بالنوافذ، لكن الهواء داخل المنزل كان خانقًا وثقيلًا، مليئًا برائحة العفن والتراب.
كان ريان يحمل معه مصباحًا يدويًا، وعندما أضاء المكان، كشف الضوء الخافت عن جدرانٍ قديمة مغطاة بالعفن، وأثاث مهدم، وصور متهالكة على الجدران. كانت الغرفة التي دخل فيها تبدو عادية، لكن كان هناك شيء غريب في الجو. شعر وكأن المكان يراقبه.
بينما كان يواصل استكشاف الطابق الأرضي، لاحظ بابًا مغلقًا بإحكام في الزاوية البعيدة. قرر أن يفتحه، وأثناء محاولته، شعر بشيء غير مريح يمر عبر جسده، وكأن أحدًا كان يراقبه من وراء الباب. لكنه استجمع شجاعته وفتح الباب بصعوبة. كان هناك سلم ضيق يقود إلى الطابق العلوي.
صعد ريان السلم ببطء، ومع كل خطوة كان يشعر بشيء غريب يتزايد في المكان. كلما صعد أكثر، كلما أصبحت الأجواء أكثر كثافة، وكأن هواء الغرفة أصبح يثقل أنفاسه. وعندما وصل إلى الطابق العلوي، اكتشف غرفة مظلمة تمامًا. كان الغبار يغطي كل شيء، ولم يكن هناك أي مصدر للضوء. فقط الظلال كانت ترقص على الجدران.
بينما كان يستعد للخروج من الغرفة، سمع صوتًا خافتًا للغاية. صوت تنهدات ثقيلة، كما لو كان شخصٌ آخر هناك. نظر حوله، لكن الغرفة كانت فارغة. شعر بشيء غير طبيعي، وكأن الغرفة كانت مليئة بالروح الحية.
ثم، وقع شيء غير متوقع. بدأت الجدران تتصدع ببطء، وظهرت شقوق عميقة فيها. من داخل هذه الشقوق، خرجت يد سوداء ضبابية، كانت تهتز في الهواء. اندهش ريان، وركض نحو الباب، لكن الباب أغلق فجأة، وكأن أحدهم أغلقه من الخارج.
ارتفعت همسات مقلقة في أذنه، وأصبح الصوت أكثر وضوحًا، حتى أنه استطاع سماع كلمات غير مفهومة. في تلك اللحظة، انتبه إلى شيء أسوأ من ذلك: كان هناك شخص في الزاوية المظلمة للغرفة، يراقب عن كثب. كان هذا الشخص شبه شفاف، يلتف حوله الظلام، عيونه فارغة لكن مليئة بالحزن والدموع التي لا تُرى. كانت أذنه تهمس في الأذن، وتقول: "لا تتركني هنا."
شعر ريان بذعر شديد، وأدرك أنه قد وقع في فخ لم يكن يتوقعه. حاول الهروب مرة أخرى، ولكن الجدران كانت تتحرك، وكأن المنزل يحاول ابتلاعه. كانت الأرض ترتجف، وكل شيء حوله بدأ يتغير، حتى أن الأرض تحت قدميه أصبحت رخوة، وكأنها تسحب ريان للأسفل.
وفي تلك اللحظة، بدأت الأصوات تتصاعد، وكان ريان يسمع همسات غير مفهومة تقول له: "لقد دخلت منزلنا. الآن، عليك أن تبقى هنا إلى الأبد."
فجأة، وقعت الأرض تحت قدميه، وسقط في فراغ مظلم. كان يصرخ بشدة، لكن لا أحد يسمعه. وفجأة، ظهر أمامه مشهد لا يُصدق: كان يشاهد نفسه وهو يمر عبر الزمن. كان يراه في مواقف مختلفة، في أزمنة مختلفة، كما لو أنه كان عالقًا في حلقة زمنية لا تنتهي. كان يرى نفسه يدخل هذا المنزل في فترات متتالية، وفي كل مرة، كان يشعر بشيء ثقيل يعصر قلبه، ثم يختفي بشكل مفاجئ. كما لو أن روحه قد تم انتزاعها، وحُبست في هذا المنزل الملعون.
وأخيرًا، قبل أن يغرق في الظلام، شعر بشيء ثقيل يضغط على صدره، وكأن روحًا أخرى قد احتلت جسده. وعندما استفاق، لم يعد كما كان. أصبح جزءًا من هذا المكان المظلم، وكلما دخل شخص آخر إلى المنزل، كان ريان يُشاهدهم، ويسمع همساتهم، ويهمس لهم بكلمات واحدة: "لقد دخلت، ولن تخرج أبدًا."
منذ تلك الليلة، أصبح منزل فينيل أكثر لعنًا، وأصبح يُعرف بين الناس باسم "البيت الذي لا يُغادره ساكنوه". كل من يدخل هذا المكان يجد نفسه عالقًا في حلقة لا نهاية لها، في ذلك الظلام المظلم الذي ابتلع ريان وكل من قبله.
تعليقات
إرسال تعليق