القائمة الرئيسية

الصفحات

 

همسات في الظلام


في إحدى القرى النائية التي لا يصل إليها سوى القليل من الزوار، كان هناك قصر قديم يُسمى "قصر شفق". كان هذا القصر مهجورًا لسنوات، لكنه ظل يحتفظ بجماله الغامض. كان محاطًا بالحدائق المظلمة التي يتسلل إليها ضوء القمر في ليالي الصيف. وبالرغم من جماله، كان هناك دائمًا شعور غريب بالوحدة يلفه، وكانت أساطير تروي أن هذا المكان كان مسكونًا بروح شخص لا يمكنه الراحة، وأنه لا يُسمح لأي شخص بالدخول إلى هذا المكان.

لكن، لم يكن الأمر كما يبدو تمامًا. فقد كانت هناك فتاة شابة تُدعى "إلين" تعيش في قرية قريبة، وكانت محطمة القلب بعد وفاة خطيبها. كان يُدعى "أندرو"، وقد كان قد اختفى بشكل غامض قبل شهور، دون أن تترك أي آثار له. كان اختفاؤه لغزًا كبيرًا، وبقيت إلين تتساءل دائمًا ما إذا كان أندرو قد قُتل، أم أنه اختفى في ظروف غامضة.

ذات يوم، بينما كانت إلين تجلس في حديقة منزلها المظلمة في مساء عاصف، اكتشفت شيئًا غريبًا في الزهور. كانت هناك وردة حمراء، مغمورة بندى الليل، وقد كانت تحمل رسالة مكتوبة على ورقة متهالكة. كانت الرسالة تكتوب: "إذا أردتِ أن تعيشي الحب مرة أخرى، اذهبي إلى قصر شفق."

كان قلب إلين ينبض بسرعة، فلم تكن تتوقع أن تأتي رسالة كهذه. كانت مقتنعة تمامًا أن أندرو لا يمكن أن يكون قد كتبها، ولكن لم تستطع أن تنكر أن هذه الرسالة قد تكون مفتاحًا لفهم اختفائه. قررت إلين أن تذهب إلى القصر في تلك الليلة.

عندما وصلت إلى قصر شفق، كانت السماء قد امتلأت بالغيوم الداكنة. كان القمر يختبئ وراء السحب، وكان كل شيء في المكان يبدو غريبًا. الباب الحديدي الكبير كان مفتوحًا كما لو أن شخصًا كان ينتظرها. دخلت إلين بخطوات خفيفة، قلبها يخفق بشدة، ولا تعرف إذا كانت قد ارتكبت خطأً.

داخل القصر، كانت الغرف مظلمة ومليئة بالغبار. كانت هناك أصوات خافتة تأتي من زوايا المكان، وكأنها همسات قديمة. كلما تقدمت أكثر، بدأت تشعر بشيء غير طبيعي، وكأن هناك عينًا تراقبها. كانت تتبع خطواتها ببطء حتى وصلت إلى الطابق العلوي، حيث كانت الغرف أكبر وأكثر غموضًا.

ثم، وفجأة، شعرت بشيء ثقيل يعبر عبر قلبها، وكأن المكان نفسه كان يعتصرها. وبينما كانت تمشي عبر ممر ضيق، خرجت من الظلام صورة لرجل. كان طويلًا، ذو عيون داكنة، وشعر أسود طويل، وكان يرتدي معطفًا أسود. ولكن، ما كان غريبًا في الأمر هو أنه كان يشبه تمامًا "أندرو" في ملامحه، لكنه بدا غريبًا وغير طبيعي.

تجمدت إلين في مكانها، وعندما نظر الرجل إليها، ابتسم ابتسامة غريبة. "إلين، أخيرًا وصلتِ"، قال بصوت عميق.

شعرت إلين بالصدمة، فلم تكن تعرف إذا كانت هي التي كانت تتحدث مع أندرو، أم مع شخص آخر له نفس ملامحه. "أندرو؟ هل أنت... حقًا أنت؟" سألت بصوت مهتز.

أجاب الرجل بصوت غامض: "نعم، ولكنني لست الشخص الذي كنتِ تعرفينه، إلين. هذا المكان... قصر شفق... هو السبب في كل شيء."

ثم أخذ خطوة نحوها، وعينيه تتوهج بلون أزرق داكن، كما لو أن روحًا أخرى كانت تسيطر عليه. وأشار بيده إلى زاوية الغرفة، حيث كانت هناك مرآة كبيرة تغطي الجدار. "انظري هناك، سترين الحقيقة."

نظرت إلين إلى المرآة، وفي البداية، لم ترى شيئًا غير عادي. لكن سرعان ما بدأ الانعكاس يتغير، وتبدلت صورته. أصبحت ملامح أندرو تشوهت، وأصبح وجهه مشوّهًا، مليئًا بالجروح والندوب. ثم، في مرآة أخرى، ظهر له شبح مظلم يلتف حوله، وكأن هناك شيئًا يسيطر عليه.

أخذت إلين خطوة إلى الوراء وهي تصرخ. "ماذا حدث لك؟"

قال الرجل بصوت مبحوح: "لقد دخلت إلى هذا المكان. عندما اختفيت، كنت قد وجدت نفسي هنا... تمّ خداعي بواسطة قوى مظلمة. في كل مرة أرى فيها وجهك، أتعذب. ولكن، الآن، أصبحت جزءًا من هذا المكان."

فجأة، اشتدت الرياح داخل القصر، وبدأت الأبواب تُغلق، والصوت المريع يزداد. كان المكان يهتز كما لو كان في حالة من الاضطراب. شعر قلب إلين بالشلل. لكن قبل أن تتمكن من الهروب، شعر بشيء ثقيل يسحبها إلى الخلف.

أندرو – أو الكائن الذي كان يحمل شكله – اقترب منها أكثر، وقال بصوت ضعيف، "إلين، لا تتركي هنا. إذا هربت، ستُعلقين إلى الأبد."

في تلك اللحظة، أحست إلين بشيء غريب، وكأنها كانت تعرف ما يجب عليها فعله. بينما كان الظلام يحيط بها، نظرت إلى أعماق عيني أندرو، وقالت: "سأساعدك في الخروج من هنا."

وبدأت إلين تتحرك ببطء نحو المرآة، وهي تدرك أن الحب يمكنه أن يحطم الظلام. مع كل خطوة، كان الضوء يبدأ في العودة، وكانت الأشباح تتلاشى، وكأن قوى قاهرة بدأت تنحسر.

في اللحظة التي وصلت فيها إلى المرآة، انكسر الصوت المظلم، واندلعت شرارة ضوء ساطعة حولهما. وفي النهاية، عندما ابتعدت إلين عن المكان، وجدت نفسها في الحديقة أمام قصر شفق، حيث كانت الرياح تهدأ، والسماء تعود إلى صفائها.

لكنها لم تكن بمفردها. أندرو – أو بالأحرى روحه – كان معها، لكن هذه المرة، كان في صورته الحقيقية، كما كانت تعرفه. لقد تم تحريره أخيرًا من قبضة الظلام.

وقبل أن تودع القصر الملعون، همس أندرو في أذن إلين، "لقد كنتِ دائمًا هنا، في قلبي... لم أكن أريدك أن تتركيني. شكرًا لكِ."

ومنذ ذلك اليوم، اختفى قصر شفق تمامًا، وكأنّه لم يكن موجودًا أبدًا. أما إلين وأندرو، فقد عاشا معًا في سعادة، لكن ذكريات تلك الليلة، وكل ما حدث فيها، ظل محفورًا في قلبها، يتردد همسات في الظلام بينهما إلى الأبد.

تعليقات